الخميس، 16 مايو 2013

مشكلة التمرد على القيم



مشكلة التمرد على القيم
إعداد الطالب : بندر مطيع العوفي
إشراف سعادة الدكتور عيد الجهني
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا  [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70- 71].
إن التمرد مرض خطير وداء وبيل، بالغ في إصابته، سريع العدوى، واسع الانتشار، خطير في تأثيره، ضار أبلغ الضرر في نتائجه، يحتاج إلى صبرٍ طويل لكي يعالج، ويتطلب قوة مجتمعة وجهوداً مضنية وإمكانات كبيرة وقدرات عالية وأساليب علمية رصينة بأشراف وتوجيه علماء من ذوي الخبرة والخلفية العلمية والرصيد الكبير في الفقه والدعوة والتوجيه والإرشاد ولديهم الاطلاع الكامل على المذاهب والأديان والنحل والفرق والعقائد عند مختلف أمم الأرض، ولهم باع طويل بالجدل والمناظرة وأسلوب هادئ بالحوار والدعوة، وقدرة كبيرة على الإقناع، ويتمتعون بانضباط نفسي مطلق، معتمدين على الكتاب والسنة والأساليب العلمية والثقافية الحديثة التي لا تتعارض مع روح الشريعة الإسلامية السمحاء.

أسئلة البحث :
 ماذا يعني التمرد على القيم .
ما هي انواع التمرد على القيم .
ما أسباب التمرد على القيم
كيف تعالج التربية الإسلامية مشكلة التمرد
أهداف الدراسة
         تهدف هذه الدراسة للمساهمة في حل مشكلة التمرد على القيم  من خلال توضيح مفهوم التمرد على القيم.
وتقدم الدراسة  مجموعة من صور التمرد على القيم .
        كما تروم هذه الدراسة تحديد أسباب  التمرد على القيم  .
  وهذه الدراسة تسعى لتقديم بعض الحلول المقترحة , لمشكلة التمرد على القيم حدود الدراسة
تقف الدراسة عند حدها الموضوعي , والمتمثل في (التمرد على القيم الاسلامية).
منهج الدراسة :  المنهج الوصفي التحليلي
 الأهمية
موضوع التمرد كان وما يزال يشغل بال الكثير من العلماء من رجال الدين الإسلامي والمفكرين والمختصين بالشأن الاجتماعي والأخلاقي والنفسي لما له من تأثير بالغ على التغيير الذي يحدث في السلوك الفردي والاجتماعي والأخلاقي وما يحدثه من تأثير في تراث الأمم والشعوب وبالذات شعوب الأمة الإسلامية، لان التمرد فيها ليس تمرداً على مستوى أفراد تأثروا بفكرة غربية أو أعجبوا بسلوك مستورد من مجتمعات لا تمت إلى الضوابط الاجتماعية الأصيلة ولا إلى التقاليد التي ورثناها عن أسلافنا أو على مستوى مجموعة من الأفراد تبنت فكرة أو نظرية فلسفية معينة في ميدان من ميادين الثقافة عقائدية كانت أو اجتماعية أو غيرها من النظريات التي يطرحها مفكرون غير إسلاميين بين الفينة والأخرى. إنما هي أفكار ونظريات وأجندة يُزج بها وعلى الدوام إلى أبناء أمتنا المسلمة. من خلال ضعاف النفوس والجواسيس المرجفين الذين يحاولون أن ينالوا من عظمة صرح الدين الحنيف. وأنى لهم ذلك. كل ذلك من أجل التغيير الفكري والثقافي وهدم التقاليد والقيم النبيلة التي ورثناها عن أجدادنا منذ أمد بعيد قبل الإسلام، وحين ظهر الإسلام على يد النبي العربي الأمي محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - سعى في ترسيخ هذه التقاليد والعادات الاجتماعية النبيلة مثل إكرام الضيف واحترام الجار وإعانة المظلوم ومساعدة المحتاج ونجدة الملهوف إلى غير ذلك من الموروث الأصيل الذي يطول تعداده وذكره. وكذلك أهتم بموضوع بنية الأسرة المسلمة لأنها الوحدة الأساسية في بناء وتكوين المجتمع. وبالمقابل نبذ وحارب كل ما هو سيء ومشين من العادات والسلوكيات البالية التي لا تمت بصلة إلى الإنسانية وروح الإيثار والتسامح والنبل والشهامة والبطولة والإباء. فان النبي صلى الله عليه وسلم نقى وهذب السلوك الاجتماعي من أدران الجاهلية وكل ما هو مستهجن وقبيح قد نما وكبر وتأصل عبر الزمن وأبعد عنه كل ما هو غريب ودخيل من العادات والتقاليد الوافدة إليه من المجتمعات الأخرى والذي ذاب وانصهر عبر التاريخ لينتج لنا نموذجاً هجيناً لكنه راسخ مستحكم ومؤثر في حياة المجتمع وتقاليده. فتم بنعمة من الله ثم بفضل وسداد من هذا النبي انتزاع مثل هذا الموروث الدخيل وغيره من مجتمعات أمتنا وتنقيته وتصفيته. فبذلك شهدت الأمة وعلى يد نبيها الأمين ولادة موروث اجتماعي نقي أصفى من الماء الزلال مبني على أعلى مستويات المبادئ الأخلاقية والسلوكية النبيلة ليُزرع في أجساد ملؤها الغيرة والشهامة والنبل والإيمان والتوحيد والتي أصبحت بين ليلة وضحاها المجتمع المثالي الذي تحسده البشرية في مشارق الأرض ومغاربها، كيف لا ومجتمع بناه الرسول الأعظم فوضع لبناته الأساسية بيده الشريفة ورسخ عقيدته وشريعته بفكرٍ نيرٍ مستمد من أنوار العظمة الإلهية. كيف لا وهو القائل: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). فوالله لقد أتمها على أحسن ما يراد وكافح ونافح من أجلها بأعز ما عنده من مال وأهل وبلاد ورسخها فينا على أتم ما يراد لها فمن قصر فيها أو انتقص منها فهو ضال معاند وشاذ عن الجماعة، ومصاب بأمراض منها الكبر والحسد وضعف الإرادة وهزال الشخصية ومرض الجهل المركب بعظمة هذا الدين وما يحمله للعالم من أفكار نيرة وأهداف حضارية كل همها وغاياتها زرع روح الألفة والمحبة والتواصل الإنساني في هذا العالم. لكي تتحقق بذلك السعادة والرخاء للبشرية جمعاء وعلى كافة المستويات والأصعدة الثقافية والعلمية والحضارية. وعلى مستوى راقٍ من الأخلاق والسلوكيات النقية التي تمثل الطهر والعفاف والشرف والروح النبيلة لكي تسمو بالبشر إلى أرقى المستويات وأعلى درجات الرقي ويكون مؤدى الرسالة تاماً غير منقوص.

فسعى أعداء الإسلام إلى استخدام سلاح جديد بعد أن فشلت كل أسلحتهم ودعواتهم المضللة وهجماتهم الهمجية الصفراء. فعمدوا إلى أصحاب النفوس الضعيفة وحملة الأفكار المريضة من المنافقين (مسلمي الهوية فقط) من الرعاع والعلمانيين الأوغاد ومن لف لفهم إلى استخدامهم كجنود مرتزقة وبسلاحهم الجديد إلا وهو سلاح التمرد على الأخلاق والتقاليد والسلوكيات والموروث الاجتماعي النبيل في المجتمع المسلم واستخدامه كمعول هدم في بنية المجتمع الإسلامي المتينة. فالواجب الملقى على عاتق العلماء والمصلحين محاربة مثل هكذا هجمات وبكل الوسائل المتاحة من خلال التثقيف بالكتب والصحف واستخدام وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والانترنيت وفي المساجد والأماكن العامة والتجمعات الاجتماعية المختلفة لفضح هذه المخططات، وكشف هذه المؤامرات، وبيان زيف ما تحمله من أفكار مضللة للناس. وتوعية أبناء المجتمع لمواجهتها ونبذها واستهجانها وعدم الالتفات إليها أو سماعها أو الإنصات إليها ورميها خلف ظهورهم إلى غير رجعة.
الدراسات السابقة
قياس التمرد النفسي لدى طلبة المرحلة الإعدادية [1]
تهدف الدراسة إلى معرفة مستوى التمرد النفسي لدى طلبة المرحلة الإعدادية والتعرف على مستوى التمرد النفسي لدى الذكور والإناث وكذلك إلى معرفة مستوى التمرد النفسي لدى طلبة الفرع العلمي والمقارنة بينهم وبين الفرع الأدبي. تكونت عينة البحث من (356) لكلا الجنسين من طلبة الإعدادية في مركز محافظة نينوى للعام الدراسي (2005-2006) واستخدم الاختبار التائي لعينتين مستقلتين ومقارنة القيم المتحققة من الأوساط الحسابية بالمستوى الفرضي. أما أدوات البحث فقد اعتمد البحث على المقياس المعد من اللامي (2001) واستخرج الصدق الظاهري للمقياس من خلال عرضه على مجموعة من الخبراء في مجال التربية وعلم النفس وبلغ معامل ثبات المقياس (0.78) لطريقة إعادة الاختبار، وتم قياس التمرد النفسي لغرض التحقق من صحة فرضيات البحث وعولجت البيانات باستخدام الاختبار التائي واستخراج المستوى الفرضي البالغ (76) مع المستوى المتحقق وأظهرت نتائج البحث، أن التمرد النفسي موجود لدى الذكور والإناث بدرجات مختلفة لصالح الذكور وأكثر من الإناث وكذلك بينت النتائج إن التمرد لدى طلبة الفرع الأدبي أكبر من طلبة الفرع العلمي. وفي ضوء نتائج البحث، تمت صياغة مجموعة من التوصيات والمقترحات في الدراسة الحالية بإجراء المزيد من الدراسات من التمرد النفسي لأنه ناتج عن أسباب منها التغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والنفسية والأسرية مما يدعو إلى التعرف عليها ووضع الحلول الناجحة لها.
مصطلحات البحث                                                            معنى التمرد في اللغة:
• والمَرَادَةُ: مَصْدَرُ المَارِدِ. والمَرِيْدُ: من شَيَاطِينِ الإنْسِ. وقد تَمَردَ: اسْتَعْصَى. ومَرَدَ على الشَّر يَمْرُدُ مُرُوْداً: عَتَا وطَغَا.
• والمُرودُ على الشيء: المُرونُ عليه. والمارِدٌ: العاتي. وقد مَرُدَ الرجل بالضم مَرادَةً، فهو مارِدٌ ومَريدٌ. والمِرِّيدُ: الشديد المَرادَة. والمَرِيدُ من شياطين الإنس والجن وقد تمرَّدَ علينا أي عتا واستعصى.
• والمَرِّيد: الخبيث.
• وكذلك المارد والمريد والمُتَمَرِّد: الشرير.
وأما قول الله جل وعز﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ [التوبة: 101].
قال الفراء: يريد مَرَنوا عليه وجَرَنوا كقولك: تمرَّدوا.
القيـــم :
       مفهوم يدل على مجموعة من التصورات والمفاهيم التى تكون إطاراً للمعايير والأحكام والمثل والمعتقدات والتفضيلات التى تتكون لدى الفرد من خلال تفاعله مع المواقف والخبرات الفردية والاجتماعية، بحيث تمكنه من اختيار أهداف وتوجهات لحياته ويراها جديرة بتوظيف إمكانياته وتتجسد من خلال الاهتمامات أو الاتجاهات أو السلوك العملى أو اللفظى بطريقة مباشرة وغير مباشرة .

أنواع التمرد:
أولًا: التمرد ضد السلطة (الخروج على ولي الأمر)
أو ما يسمى في عصرنا الحاضر بالتمرد السياسي. وهو أخطر أنواع التمرد وأشدها ضرراً على المجتمع لما يجر عليه من ويلات ودمار يعجز اللسان عن وصفه. وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بطاعة ولي الأمر والانصياع لأوامره.
ثانياً: التمرد الديني:
هو الخروج على ثوابت الدين العقدية والحدود والأحكام الشرعية، وإهمال محكم التنزيل وإتباع مناهج العقل والتأويل بغير هدى ولا تمسك بالدليل. حجتهم في ذلك هو تحصيل الحقيقة وتفسير النصوص الخفية والدقيقة. وسلكوا في بحثهم مسالك غريبة واتبعوا في الوصول إلى أهدافهم مناهج مريبة مستمدة في أغلب أحوالها من عقائد وأفكار أصحاب المناهج الفلسفية الذين أتعبتهم طرقهم ومسالكهم وأفكارهم عن تحصيل الحقيقة. وأنى لهم ذلك.
ومن أشهر هذه الفرق هم الخوارج، والجهمية، والمعطلة، والمعتزلة. وهذه الفرق تركت محكم التنزيل وآثرت السير خلف منهاج التأويل المنحرف عن ضوابط الأثر والدليل. واختاروا منهاج العقل ورجحوه على صريح النقل وتكلفوا في التحليل والتفصيل إلى ما لا يحتاج إليه البشر وليس فيه كبير نفع أو فائدة. وكل غاياتهم من وراء سلوك هذه المسالك وتبني هذه الأفكار هو تحقيق أهداف أعداء هذا الدين من الشعوبيين واليهود الذين يكنون كرهاً فضيعاً لهذا الدين ولحملة مشاعل عقيدته عقيدة التوحيد المبنية على صريح الكتاب والسنة النبوية التي نقلها وحفظها لنا الجهابذة من العلماء، الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل جمعها وحفظها وتدوينها وفق منهج رائع وفريد تفخر به الأمة على بقية أمم الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ثالثاً: التمرد الاجتماعي:
إن العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي ورثناها عن أسلافنا وهي تراث لنا نعتز به وهوية نتميز بها، مثل باقي الأمم العريقة التي تعتز بتراثها وتعتبره ثروة قومية لها ولن تسمح بأن يمس جنابه لأنه عندهم من القدسية بمكان وفي أعلى درجات الرفعة والاعتزاز. كما وانه مظهر من مظاهر الفخر والمباهاة لكل أمة تحترم تراثها وأصالتها، ولا يمكن أن تفرط فيه مهما كانت الأسباب، ومهما أثرت التغيرات والتطورات العلمية والتكنولوجية المعاصرة سلباً كان هذا التغيير أم إيجاباً.
أسباب التمرد:
1- العولمــة :
       ظهرت العولمة فى العصر الحديث مستندة على أسس اقتصادية تمثلت فى الشركات الاقتصادية العملاقة عبر القارات، والتى لم يعد لها وطن محدد، بل صار العالم كله وطناً وميداناً لنشاطها، وصار العالم كله يدور فى نظام اقتصادى عالمى واحد، غير أن العولمة لم تعد تقوم على أبعاد اقتصادية فقط، بل أصبحت سمة للحياة كلها فى هذا العصر[2]، واختلف حولها المفكرون اختلافاً كبيراً فى المعانى التى شملتها هذه الكلمة،  وبناء على رأيهم فسروا العالم تفسيراً ينطلق من وجهة النظر التى امنوا بها 0
فهناك من ذكر "أن العولمة يمكن تعريفها ببساطة على أنها تشمل عدداً من العمليات المعقدة والمتداخلة، بحيث تشمل النواحى الاقتصادية والتكنولوجية والزراعية والثقافية والبيئية والسياسية، كما أنها تشمل حرية حركة البضائع بين مختلف العواصم والمعلومات والأفكار والتخيلات والمخاطرات عبر الحدود الوطنية" 0 ، أما العولمة فى بعدها الثقافى والاجتماعى وهو أخطر أبعادها فتعنى إشاعة قيم ومبادئ ومعايير ثقافة واحدة وإحلالها محل الثقافات الأخرى وهذا معناه تلاشى القيم والثقافات القومية وإحلال محلها  القيم الثقافية للبلاد الأكثر تقدماً تكنولوجياً واقتصادياً وخاصة أمريكا وأوربا,أما فى بعدها السياسى فتعنى العولمة سقوط السلطوية والشمولية, والاتجاه إلى الديمقراطية, والتعددية السياسية, واحترام حقوق الإنسان ,واستخدام الأمم المتحدة لحماية  حقوق الإنسان فى العالم, وغيرها من آليات لنظام العالمى الجديد 0
        وأشار"زقزوق اٍلي" أن العولمة تشير إلى أن هناك حضارة غربية قائمة لها قيم ومعايير معينة، وعلى الجميع أن يتواءم معها ,وأن يعتنق مبادئها ونظمها إذا أراد لنفسه مكاناً فى مسيرة العالم، وهذا يعنى أن تسود حضارة واحدة بقيمها ومثلها، وأن يترسخ مفهوم العولمة بالمنطق الأمريكى أو القطب الواحد فى الأذهان، وبالتالى يتضح أن البعد الاقتصادى ليس هو المحور الأساسى للعولمة ولكن هناك مجموعة من العوامل التى تضافرت لتكوين هذا النظام العالمى، كالتدفق المعلوماتى والبعد الثقافى والموقع الجغرافى والتكتلات الدولية 0
       اٍذن  يمكن أن نذكر تعريفا مناسبا للعولمة يتمثل فى كونها نظرية اقتصادية فى المنطلق، سياسية، اجتماعية، ثقافية فى النتائج، هدفها فتح الأسواق الاقتصادية, وتطبيق سياسة السوق فيها بإلغاء الرسوم الجمركية، وإقرار حرية تنقل رأس المال والبضائع والخدمات بين الدول دون أية قيود، وفتح الحدود الوطنية فى المجال السياسى والترويج لثقافة نمطية عالمية واحدة هى ثقافة القوة المهيمنة على العالم
تأثيرات العولمة على القيم (مخاطر العولمة على القيم) :
       صار من المؤكد أن للعولمة تأثيراتها الفعالة على المجتمعات المعاصرة ,سواء المتقدم منهاأوالنامي، وتمثلت أبرز تأثيرات العولمة فى الجانب الاجتماعى, الذى تمثل فى محاولة تكوين شخصية معولمة, تصير طبقاً لنظام عالمى تحكمه قوة طاغية مسيطرة،، إذ سعت العولمة إلى محاولة القضاء على الإرث الإنسانى المقدس بالنسبة لنا كعرب ومسلمين، وذلك من خلال العمل على تعميم القيم الغربية, وخاصة الأمريكية ,وذوبان الحضارات غير الغربية فى النموذج الحضارى الغربى، بل وتعميم السياسات المتعلقة بالطفل والمرأة والأسرة، والتظاهر بالحفاظ على حقوقهم، ولكنها فى الحقيقة تعمل على تفكيك الأسرة ,واستلاب وعى الأفراد واقتلاع الجذور التى تربط الفرد بعائلته ووطنه وبيئته، واستغلال المرأة فى الإثارة والإشباع الجنسى وإشاعة الفاحشة فى المجتمع، وخير مثال على نموذج لعولمة القيم الغربية والأمريكية هو صياغة تلك القيم الغربية فى مواثيق ثم عولمتها باسم الأمم المتحدة، وذلك مثلما حدث فى وثيقة برنامج عمل مؤتمر السكان والتنمية الذى عقد بالقاهرة فى شهر سبتمبر 1994، وفى بكين على 1995 وفى  أسطنبول عام 1996 0
       أما أبرز تأثيرات العولمة الاقتصادية فتمثلت فى تحويل المجتمعات النامية والتى منها الدول العربية إلى دول مستهلكة وليست منتجة ,وذلك عن طريق عقد الاتفاقيات العالمية، كاتفاقية الجات ، كما أدى الانفتاح فى استيراد المنتجات الغربية المادية وما يتبعها من أنماط ثقافية إلى تكوين أنماط سلوكية استهلاكية، وبالتالى سيطرة القيم الاستهلاكية على حساب قيم العمل المنتج لدى الأفراد، وبالتالى مقاومة أى حركة للتغيير الاجتماعى[3]   
          ومن الثابت أن هناك جانبين للقيم : قيم المحور المتمثلة فى القيم الدينية بما يشتمل عليه من قيم وميراث ثقافى وحضارى, وتعتبر ثوابت مميزة لهوية المجتمع العربى والإسلامى فلا يعتريها أى تغيير، أما الجانب الثانى فيتمثل فى قيم التفاعل الحضارى والعمل والإنجاز, وهى قيم وسيليه يعتريها التغيير طبقاً لمستجدات العصر، ومن هنا تتمثل خطورة العولمة فى محاولة التأثير على قيم المحور، وذلك من خلال نشر الفكر الغربى الذى يعمل على تغيير تلك القيم الثابتة ومحاولة إقناع أن الذى يتمسك بقيمه إنما يتعارض مع التقدم العلمى والفكرى ونهضة العقل، الأمر الذى أدى إلى تفاقم الشعور بالاغتراب لدى الشباب، ووقوعهم فى أزمة حضارية وفى صراع, لأنهم يحيون ويعيشون بين "ثقافتين متعارضتين فى وقت واحد، إحداهما خارج النفس والأخرى مدسوسة فى ثناياها، فترى حضارة العصر فى البيوت والشوارع، بينما تجد حضارة الماضى رابطة خلف الضلوع"، لدرجة أن هؤلاء الشباب من شدة تعلقهم بالحضارات الغربية والحلم بالعيش فى محيطها صاروا "يعانون حالة من الاغتراب الثقافى، فهم وإن كانوا يعيشون على أرضنا إلا أن وجداناتهم وعقولهم مهاجرة مغتربة قيمياً وفكرياً .
       كما أنه فى ظل تأثيرات العولمة صار الأمر يتطلب من الشباب المصرى وخاصة الشباب الجامعى ضرورة تطوير إمكاناته وقدراته ومهاراته, بحيث تتكون لديه قيم المنافسة الشريفة والقيم العلمية المختلفة, كالرغبة الملحة فى المعرفة والفهم، والإيمان بالتفكير العلمى, واحترام المنطق, واستخدام العلم كمادة وطريقة، والقيم المرتبطة بالبيئة من حيث حمايتها, والحفاظ عليها, بحيث يؤدى ذلك إلى إعداد مواطنين قادرين على إيجاد حلول لتحسين مستوى حياتهم من خلال النمو الاقتصادى ودون تعريض البيئة للخطر، مع الحفاظ على حق الأجيال المقبلة 0

2- التغيرات العلمية والتكنولوجية :
       يعيش العالم ثورة علمية هائلة, وسيتعاظم حجمها وتأثيرها خلال الفترة القادمة من الزمن، وسيكون لها إسقاطاتها الفكرية والاجتماعية والسياسية على مختلف مناطق العالم، وبالتالى فإن تشكيل النظام العالمى سيتوقف على منجزات هذه الثورة العلمية والتكنولوجية التى تتدفق الآن بشدة، والدليل على ذلك ما تعرض له  الاتحاد السوفيتى من سقوط مريع فى أواخر القرن العشرين نتيجة الفجوة التكنولوجية التى اتسعت باطراد بينه وبين النظام الغربى 0
       ويتمثل لب الثورة العلمية والتكنولوجية فى الأوتوماتية Automation ، ففى عصر الزراعة تمثلت فى الأدوات، وفى عصر الصناعة تمثلت فى الآلة، أما مع الثورة العلمية والتكنولوجية فتتمثل فى الآلة ذاتية ما يسمى بالمعالج الدقيق للمعلومات, والذى يمكنه إدارة خط كامل للإنتاج ,بل مصنع بأكمله دون تدخل مباشر من الإنسان,وقد غطت الثورة العلمية والتكنولوجية عدة مجالات منها:
1-تكنولوجيا المعلومات, والمتمثلة فى الالكترونيات الدقيقة, والآلات الحاسبة ,والإنسان الآلى, وصناعة المعلومات, والطاقة النووية, وتكنولوجيا الفضاء0
2-التكنولوجيا الحيوية والمتمثلة فى علم الأحياء والهندسة الوراثية0
3-تكنولوجيا المواد وهو مجال تخليق المواد الجديدة وإحلالها محل المواد الطبيعية القديمة على أساس التكنولوجيا الكيمياوية والبتروكيميائية 0
        ومن الطبيعى أنه لن تحدث أى تغيرات علمية أو تكنولوجية دون أن يكون لها سلسلة من التوابع والانعكاسات, سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، أو قيمية ,سواء أكان ذلك على مستوى المجتمع العالمى ,أو على المستوى المحلى، وسواء أكان بصورة سلبية أو إيجابية,ومن هذه الانعكاسات:
1-  زيادة الترابط بين بقاع العالم والاعتماد المتبادل بين الأطراف الرئيسية لهذا التقدم العلمى والتكنولوجى
2-التراكم الكبير فى المعلومات والمعارف العلمية والتقنية، فالنظريات العلمية التى كانت فى الماضى مجرد كتابات نظرية فقط، صارت الآن تمثل العديد من الاختراعات والاكتشافات المذهلة التى أخذت بيد الحكومات والدول للتقدم والرقى فى العديد من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية
3-الاتجاه المتزايد نحو استخدام الآلة فى مجالات الحياة المختلفة، وتطور تكنولوجيا الآلات المتناهية فى الصغر، والأجهزة عالية الطاقة ذات التكلفة الزهيدة ,والتى من المتوقع أن تقلب النظم الاقتصادية والاجتماعية رأساً على عقب0
4-اٍحداث تغييرات فى البنى الاجتماعية، لأن التقدم التكنولوجى سيعوض عن العمالة التى تتطلبها الصناعة الآلية الكبيرة، ومن ثم أصبح ذلك مصدراً للبطالة وخاصة بين الشباب ,الأمر الذى أدى إلى وجود فراغ كبير لدى الطبقة المؤثرة فى المجتمع، وبالتالى أدى هذا الفراغ إلى اكتساب الشباب العديد من القيم التى تتعارض مع القيم المطلوبة فى المجتمع، فاتجه الشباب، إلى العنف للتنفيس عن الطاقة التى لديهم, أو اتجهوا إلى عدم الولاء والانتماء لمجتمعهم بالصورة المطلوبة، لأن المجتمع لم يحقق لهم أهدافهم، كما اعتمدوا على الاتكالية والسلبية وعدم تحمل المسئولية، وإذا كانت هذه بعض السلبيات إلا أن الثورة العلمية والتكنولوجية أدت إلى ظهور وظائف جديدة تتماشى مع هذا التقدم0
       5- أن التقدم التنكولوجى والعلمى أدى إلى إعادة فحص النسق القيمى الموجود، حيث بدأت كثير من القيم فى الانتشار لدى الشباب وخاصة تلك المرتبطة بالسلام والمحبة واحترام البيئة وحمايتها، وبدأت  الدعوة إلى قيم إنسانية جديدة كاحترام الحياة والمسئولية تجاه الأجيال القادمة وحماية البيئة، وبات من المألوف فهم أن هذه القيم وغيرها عناصر أخلاقية يبنى عليها الضمير العام القيم الإنسانية كلها0
       وفى الوقت نفسه ظهرت العديد من القيم السلبية التى اعتنقها الغرب وكان لها تأثيرها على مجتمعاتنا، ومن هذه السلبيات عدم اقتران العلم بالأخلاق، وأبرز مظاهر ذلك هو ظهور ما يسمى بتأجير الأرحام، وتظهر الخطورة على المجتمع هنا فى اختلاط الأنساب، ومن هذه المظاهر أيضاً ظهور ما يسمى بالاستنساخ البشرى وهو التكاثر اللاجنسى الذى يتم بين أى خلايا جسدية وبويضة أنثى منزوعة النواة، فهذه المظاهر كلها جاءت نتيجة حتمية العلم دون اعتبار للدين والإيمان والأخلاق"، ولا يخفى خطورة مثل تلك الأمور التى قد تؤثر على شبابنا فى قيامهم بأى أعمال حتى ولو كانت تعتمد على العلم، ولكن لا يحكم تلك الأعمال أى قيم أو أخلاق أو معايير، بل يكون هدفها فقط هو الحصول على النتيجة النهائية لذلك وهو المال0
       كما أن القيم السالبة التى انتشرت فى المجتمع العربى بصفة عامة والمصرى بصفة خاصة أعاقت الإبداع وأفرغت المعرفة من مضمونها التنموى والإنسانى، حيث ضاعت القيمة الاجتماعية للعالم والمتعلم والمثقف، كما أن التعليم فقد قدرته على توفير الإمكانات التى تتيح للفقراء الارتقاء الاجتماعى، وباتت القيمة الاجتماعية العليا للثراء والمال، بغض النظر عن الوسائل المؤدية إليها, وساهم القمع والتهميش فى قتل الرغبة فى الإنجاز والسعادة والانتماء, مما أدى اٍلى سيادة الشعور باللامبالاة والاكتئاب السياسى، وبالتالى ابتعاد المواطنين عن الإسهام فى إحداث التغيير المنشود فى الوطن، ولم يعد الإنسان الحديث المنتج الفعال هو مثال المواطن المنشود، وبالتالى كان من الطبيعى أن تعانى الثقافة وإبداع المعرفة معاناة حقيقية، وهذا معناه أن الشباب العربى فى حاجة ماسة إلى تمثل قيم جديدة كالمثابرة والصبر على العمل والإصرار والابتكار
       وتتطلب هذه الثورة العلمية والتكنولوجية ضرورة العمل على تنمية بعض القيم التى تؤمن بأهمية العلم كقيمة, والاهتمام بالتفكير العلمى, وأهمية استخدام العلم الاستخدام الأمثل, وخاصة فى إطار التعامل مع البيئة والعمل على حمايتها, والإيمان بقدرة العلم على الانتقال بالشباب وبمجتمعهم من التخلف إلى التقدم ,وهذا أمر هام فى الوقت الحاضر فى ضوء الإحباطات التى يواجهها الشباب, نتيجة عدم اهتمام المجتمع بالتعليم الاهتمام الكافى وعدم إيمان بعض أفراد المجتمع بقدرة التعليم على إحداث الحراك الاجتماعى0
       ولعل أهم السلوكيات التى يتطلبها هذا التقدم التكنولوجى الهائل هو تقدير قيمة الوقت وقيمة النظام والتنظيم والتخطيط السليم وتحمل المسئولية فى إدارة شئون الحياة ومجالاتها بدءاً من محيط الأسرة إلى موقع العمل إلى المشاركة فى الحياة العامة0

3- التغيرات الثقافية :
           إن أهم المستجدات التى طرأت على النظام الإعلامى العربى على مشارف القرن الحادى والعشرين تمثلت فى : تعثر النظام الإعلامى العربى فى الاستجابة لتحديات عولمة الإعلام، والأداء الضعيف والتنافس السلبى، وضعف الهياكل التمويلية والفنية[4],

الأمر الذى أدى إلى زيادة الضغوط لفرض أسس ثقافية نمطية تستغل منها دعاوى الديمقراطية والمشاركة والمكاشفة وحقوق الإنسان، وصارت أدوات الاتصال والمعلومات تعمل بكل قواها لغرس قيم معينة، وتمجيد ثقافة عالمية جديرة بالاعتبار0
       ومن هنا برزت "صعوبة القدرة على صد التدفق الإعلامى عبر حدود الدول، وأصبح امتلاك المعلومات والتقنيات وأدوات الاتصال ومعرفة التعامل معها عنصراً هاماً للقوة والتأثير فى الآخر،وكان هذا نتيجة طبيعية للتطور الهائل فى تكنولوجيا الاتصالات التى أدت إلى تقديم تسهيلات كثيرة للناس وللأماكن العامة، بداية من نظام البريد الاليكترونى إلى التليفونات المحمولة, بالإضافة إلى وسائل الاتصالات الدقيقة جداً، وهذه التكنولوجيا الحديثة تقدم الأجهزة الأكثر سرعة فى الاتصالات"، وقدأثرت هذه الثورة الاتصالية على التوازن الثقافى عبر أجزاء العالم المختلفة، فقد قسم "كين ورثى" Ken Worthy  العالم إلى ثمانية مناطق ثقافية كبيرة هم: المنطقة اللاتينية، والأنجلو ساكسون، والألمان، والسلافيك، والمسلمين، والإفريقى، والهندى، والسينتيك، وتعد الثقافة الأنجلو ساكون هى التى تغطى بريطانيا وأمريكا الشمالية واستراليا ونيوزلندا وشمال أفريقية، بل إن هذه الثقافة هى التى تؤثر فى تلك المناطق بطريقة سريعة منذ الحرب العالمية الثانية، وخاصة على مستوى الدول الإسلامية"، وبدأت نتائج هذا التطور الهائل فى الاتصالات تنعكس على المجتمع العربى من خلال انفتاح إعلامى بلا حدود يستهدف فرض ثقافة كونية، وينطوى على إخضاع العقول العربية – اختيارياً – لمجموعة من القيم والمعتقدات وأنماط السلوك والاستهلاك, المنتمية إلى مجتمعات حققت مستويات عالية من التقدم وتميزت ثقافتها بحريات شخصية واسعة, فكانت النتيجة هى اندثار بعض الثقافات المحلية، أو الصراع بين الوافد والمحلى، وصاحب ذلك مشكلات عديدة منها : ظاهرة الاغتراب بين الشباب، والبحث عن الهوية والذاتية الثقافية بل بات واضحاً أن الشباب فى مجتمعنا يعانى تمزقاً أمام الاتجاهات المتعددة للثقافات العديدة – خاصة الوافد منها - ، ويعيش صراعاً بين تراثه الإسلامى الأصيل وبين ما تقدمه الحضارة المادية الغربية، وأصبح حائراً من أجل مستقبله,وصار الشباب لا يعلم ماذا يريد,وما الأهداف التي يسعي لتحقيقها0
       ومن أبرز التداعيات التى ظهرت على الساحة العالمية نتيجة الهيمنة الثقافية الغربية هو احتمال تراجع اللغة العربية فى مواجهة اللغات الأكثر انتشاراً فى العالم, وخاصة اللغة الإنجليزية وبالأخص الإنجليزية الأمريكية، حيث "إن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك تكنولوجيا المعلومات والاتصال، حيث إن حوالى 65% من مجموع الاتصالات المعالجة تخرج منها، وتحكمه اللغة التى تتحدث بها، فقد أصبحت اللغة الإنجليزية هى لغة الاتصالات العالمية الآن، وأصبح تعلمها ضرورة لمواكبة العصر ,الأمر الذى أدى إلى إهمال اللغة العربية إهمالاً تاماً من الشباب وعدم إتقانها بل التركيز بصورة أساسية على اللغة الإنجليزية، مماأدي إلى ضعف قيم الولاء والانتماء لدى الشباب وعدم تمسكهم بهويتهم الثقافية العربية والإسلامية0
       ونلحظ هذا التأثير على التعاملات العربية فى صحفنا ومجلاتنا، بل وفى اللوحات الإعلامية والتجارية، وحتى فى بعض التعاملات العادية التى لا تستلزم مطلقاً استخدام اللغة الأجنبية، مثل إقحام الشباب لبعض الكلمات الأجنبية فى الكلام دون الحاجة لذلك سوى التأثر اللاواعى بمعطيات العصر أو التفاخر بذلك, أو التحرج من استخدام لغته الوطنية، كما يظهر تأثير ذلك في العديد من السلوكيات اليومية مثل "ارتداء بعض الشباب الملابس والقبعات المرسوم عليها العلم الأمريكى، بل ولصق تلك الرسوم على سياراتهم، وإطلاق المسميات الأمريكية والأوربية على بعض المحلات التجارية، ليس هذا فقط بل حتى على مستوى المتعلمين ممن حصلوا على درجات علمية رفيعة، نلاحظ أن البعض منهم يتباهى بأنه حصل على درجته العلمية من إحدى الجامعات الأوربية أو الأمريكية وهذا يدل على اعتزاز هؤلاء بالنموذج الأجنبى على حساب النموذج الوطنى"
       والمتابع للبرامج التى تبثها الإذاعات المختلفة حتى العربية منها يلحظ بوضوح إظهار تفوق الحضارة الغربية ,وتغلغل قيم الرأسمالية فى المؤسسات الوطنية ذات الصلة بالثقافة كالمناهج فى المدارس، والجامعات، ومراكز البحوث، بالإضافة لما تقدمه المؤسسات من منح وموارد إعلامية وبحوث تجرى عن طريق المؤسسات الرأسمالية، كلها تصب فى إطار ترسيخ تفوق الغربى على ما عداه من الجنسيات الأخرى، وها هو التليفزيون يلعب دوراً كبيراً فى بث قيم تسخر من الزواج والارتباط الرسمى, وهذا يعد دعوة للتمرد والانقياد وراء الشهوات والنزوات حيث ظهرت إحدى الفنانات فى برنامج تليفزيونى لتتحدث عن الزواج -باعتباره تجربة كان لابد أن تمر بها – أمام شباب مقبل على الزواج"، كما يشاهد الشباب المسلسلات الأجنبية على شاشات التليفزيون العربية، تلك المسلسلات المليئة بالقيم السلبية، ومن أبرز هذه القيم : الفردية والقسوة والعنف والتعصب والعدوانية والخيانة والسرقة والخداع، وأن هذه المسلسلات وخاصة الأمريكية منها تروج باستمرار الجوانب الإنحلالية كإقامة علاقات جنسية غير مشروعة بين شباب الجنسين، كما أن معظم الموضوعات المقدمة فى تلك المسلسلات لا تناسب خطط التنمية ومستوى التطور الاقتصادى والاجتماعى والثقافى فى الدول العربية0 ولذلك يوجه كثير من علماء النفس والتربية والاجتماع والاتهامات لما يعرضه التليفزيون حيث يساعد على "نمو السلبية واللامبالاة، ويضعف من قوة إبصار المشاهد وتلهيه عن القراءة والاطلاع والمناشط الأخرى، ويدفع ببعض الشباب إلى ارتكاب جرائم العنف والقتل والسرقة ,وهكذا يتضح أن انحراف الشباب جاء نتيجة لغياب المثل العليا التى يمكن الاحتذاء بها، وليس الاكتفاء بذلك، بل تم إحلال مُثل أخرى غير سليمة محلها0
4- التغيرات الاجتماعية:
       يواجه المجتمع العديد من التغيرات الاجتماعية كالزيادة السكانية والتغيرات الاقتصادية التى أدت إلى ظهور العديد من الانحرافات والمشاكل، كالعنف وإدمان المخدرات والتعصب والسلبية واللامبالاة، وعدم قدرة العديد من المؤسسات الاجتماعية على القيام بدورها فى الضبط الاجتماعى, كالأسرة, والمدرسة, ودور العبادة ,والنوادى الاجتماعية ..إلخ, التى تعد صاحبة دور رئيس فى إكساب الشباب ثقافة مجتمعهم من قيم وعادات وتقاليد0
       وإذا نظرنا إلى الواقع فسنجد أن العالم كله يعانى من الزيادة الكبيرة فى عدد السكان، بل يزداد الأمر أكثر على مستوى الدول النامية، وهذا واضح عندنا فى المجتمع المصرى، وحذر الخبراء العالميون من هذه الزيادة0
       وقد وصل معدل نمو السكان فى العالم خلال الثلاثين سنة الأخيرة حتى الآن إلى 2% زيادة سنوية، ثم تباطأ هذا المعدل فوصل إلى 1.5% فى السنة أثناء فترة التسعينات، فالعدد المطلق لسكان العالم ارتفع من 3.7 مليار نسمة عام 1970م إلى 5.7 مليار نسمة عام 1995م، وسيصل هذا العدد عام 2050 إلى 9.8 مليار نسمة ولكن سيثبت عند 11 مليار نسمة عام 2150م"[5]، وسيكون 95% من مجمل الزيادة العالمية فى السكان حتى عام 2025م متمركزة فى البلاد النامية"(66)، وهذا ما نلاحظه فى مصر باعتبارها إحدى الدول النامية، حيث يزداد معدل النمو السكان سنوياً، وبالتالى تدخل مصر ضمن مواطن الخطر السكانى فى العالم، وقد ترتب على تلك الزيادة السكانية نتائج كثيرة منها : زيادة حدة الفقر مما هى عليه الآن، حيث ستكون قدرة الناس فى الحصول على الطعام وغيره من ضرورات الحياة ليست أفضل من الآن، بل أسوأ لكثير من الناس، الأمر الذى أدى إلى زيادة التفاوت الطبقى، مما ترتب عليه وجود فئات دنيا تعانى أوضاعاً اقتصادية واجتماعية متدنية، وبالتالى حدث تغير كبير فى النسق القيمى لدى هذه الفئة من الشباب، حيث اتجهت تلك الفئة للبحث عن وسائل أخرى للعيش، لأن عملها الذي تقوم به لا يكفيها، فصار العمل المنتج فى ظل هذه الظروف يمثل مزيداً من الشعور بوطأة الحرمان بسبب عدم قدرته على مجاراة الآخرين فى العيش، فتحولت قيمة العمل المنتج إلى قيمة سلبية تمثلت فى قيم الربح السريع أو الثراء على حساب الآخرين بدون مجهود، أو بعمل غير شرعى كالرشوة والسرقة والوصولية والوساطة والمحسوبية والتهرب من الضرائب والنظر لأفراد المجتمع نظرة نفعية أى وفقاً للمكاسب التى يحققونها من وراء التعامل معهم"، أما الفئة الأخرى الغنية فقد اعتنقت قيم البذخ والإسراف والاعتداء على البيئة0
       كما  أدت تلك الزيادة السكانية الكبيرة إلى تزايد الهجرة من الريف إلى المدن الكبرى فأثرت الهجرة على نسق القيم الاجتماعية لدى الشباب حيث أدى ذلك إلى انتشار الأعمال المنحرفة كالسرقات وأعمال النصب وزيادة العبء على مرافق المدن وبالتالى سوء حالتها، وقد أثرت كل هذه التغيرات على الشباب ما أدى إلى شعوره بالإحباط وفقدان الثقة بالنفس والقدرة على تحقيق الذات، وفقدان الثقة بالمجتمع الأمر الذى عرض هذا الشباب للانحراف السلوكى أو على الأقل لجوء الشباب للانطواء والانغلاق على النفس لاعتقاده بعجز المجتمع عن مواجهة مشكلاته" 0
       ومن أخطر نتائج هذه الزيادة السكانية: ظهور العشوائيات فى العديد من المناطق مثل مدن الصفيح التى انتشرت فى العديد من المدن الكبرى وخاصة القاهرة، وقد نتج عن ذلك تزايد معدلات البطالة وتكريس الفردية نتيجة تفكك البنى الأسرية وانخراط شباب هذه المناطق فى قطاعات الاقتصاد الأسود كالمخدرات والدعارة والتهريب وغيرها، كما تفاقم الشعور باللامبالاة والعداء تجاه الدولة وأجهزتها المختلفة نتيجة افتقاد أهل هذه المناطق للأمان، وصار ينتشر بين شباب هذه المناطق ما يمكن أن يسمى العنف الوظيفى أو الارتزاقى وهو البلطجة، وقدرت حوادث العنف المجتمعى الخاص بالبلطجة عام 1998 بحوالى 5000 حادث، كانت المناطق العشوائية والهامشية مسئولة عن 70% منها على الأقل 0[6]
       كما أن الزيادة السكانية الكبيرة التى تعيشها مصر أدت إلى حدوث تغييرات كبيرة فى الأسرة المصرية مثل هجرة الأب للعمل وبروز دور الأم على كافة المستويات وبالتالى غياب دور الأب، بالإضافة إلى الاستقلالية الاقتصادية للمرأة التى دفعتها لعدم الاعتماد –بصورة رئيسية- علي الرجل كما كان في السلبق,  الأمر الذى انعكس على الشباب فافتقد كثيراُ من قيمه الشرقية الأصيلة, كالحب, والولاء, والغيرة ,والخوف على أفراد أسرته، بل صارت المنفعة الذاتية هى المحرك الأساسى لسلوكه داخل الأسرة، كما ظهرت قيم دخيلة أمام الشباب رأوها من العلاقة بين الأبوين مثل الطلاق الاقتصادى وهو امتناع الزوج عن الإنفاق على الأسرة لرفضه لسلوك الأسرة، فتضطر الزوجة للانحراف للإنفاق على أسرتها، ، كل هذه الأمور انعكست آثارها على تنشئة الشباب ,حيث صار الزواج بالنسبة لهم مقروناً بالخيانة والخداع والتوتر والنفور، وانهيار مكانة الآباء فى أذهانهم0

5- التغيرات الاقتصادية :
       شهد العالم فى السنوات الأخيرة من القرن العشرين تغيرات كثيرة فى جميع المناحى ومنها النواحى الاقتصادية، وبلغت هذه التغيرات ذروتها بعد انهيار المعسكر الاشتراكى، وذلك أمام المعسكر الرأسمالى، وسيادة آليات السوق الذى بدأ يسيطر على كافة المنظمات الدولية العاملة فى مجال المال والاقتصاد، وبالتالى على دول ومجتمعات العالم الثالث والتى منها مصر التى انتهجت سياسة الاقتصاد الحر بدلاً من الاقتصاد الشامل ، وذلك لأسباب كثيرة منها الأزمة الاقتصادية الحادة التى تعرضت لها مصر فى الستينات والسبعينات والثمانينات، والضغوط الدولية من خلال المؤسسات الدولية كالبنك الدولى 0
       كما كان من أبرز التغيرات الاقتصادية فى السنوات الأخيرة ظهور التكتلات الاقتصادية الكبرى كالاتحاد الأوربى، وتجمع الشرق الأقصى، ومجموعة سارك والنافتا، وانضمت مصر إلى منظمة الكوميسا التى تضم دول جنوب شرق إفريقية، كما انضمت مصر إلى اتفاقية الجات الدولية"، هذا بالإضافة إلى سياسة الانفتاح التى اتبعتها مصر فى سبعينات القرن العشرين وما أدت إليه من تأثيرات اقتصادية على المجتمع0
       ومن أبرز التغيرات الاقتصادية التى أثرت على العالم كله وعلى اقتصادياته عاصفة سبتمبر, التى ضربت الولايات المتحدة فى 11 سبتمبر 2001, والتى أدت إلى مزيد من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمى, وركود كثير من الاقتصادات الصاعدة, وخاصة فى الدول النامية، خاصة وأن تقارير صندوق النقد الدولى فى مايو 2001 كانت تتوقع تراجع النمو الاقتصادى العالمى قبل أحداث سبتمبر من 4.8% عام 2000 إلى 3.2% عام 2001، وأن يتراجع معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى الأمريكى من 4.40% عام 2000، إلى 3% من 3.6% عام 2000 إلى 3% عام 2001، وأن يتراجع النمو الاقتصادى فى الدول النامية من 5.4% عام 2000، إلى 5.3% عام 2001، وفى مصر تراجع من 4.5% فى مايو 2001 إلى 3.30 % فى نوفمبر 2001 ,وبالتالى أدت أحداث سبتمبر إلى تدهور الاقتصاد العالمى بصفة عامة ,واقتصاد الدول النامية بصفة خاصة[7]
0وكان لمعظم هذه التغيرات تأثيراتها على المجتمع, التى تمثلت فى انخفاض مستوى الدخل, وخاصة لدي موظفي الدولة,الأمر الذي دفع بالموظفين العاملين بالدولة ,والتي يمثل الشباب شريحة كبيرة منهم إلى استخدام الصلاحيات الممنوحة لهم فى تحصيل أموال ,وتكوين ثروات بدون وجه حق ,من خلال الرشاوى التى يأخذونها كشرط لتسهيل الأعمال التى تحت سيطرتهم، مما يعطى انطباعاً لدى الشباب بضرورة انتهاز فرص الفساد بأشكاله المختلفة للحصول على المال0

علاج التمرد من منظور التربية الإسلامية:
التحصين الثقافي:
تسعى العولمة التربوية والثقافية إلى فرض النموذج الغربي في التفكير وطرائق الحياة، مستخدمة التدخل السافر في المناهج لتغيير عقول الناشئة وطمس هويتها العقدية، ليسهل بث القيم الأمريكية البديلة، لذلك فلا بد من تأكيد الهوية العربية الإسلامية المحافظة على أصالتها والجمع بين الأصالة والمعاصرة، الأصالة التي تخلو من الانكفاء والجمود، والمعاصرة التي لا تدفع إلى الانسلاخ عن الثوابت.
ومعلوم أن الثقافة في الفكر التربوي الإسلامي تتخذ من العقيدة مصدرا لها وموجها لمضامينها، لذلك فالثقافة الإسلامية تستند إلى أصول ثابتة لكنها متجددة في وسائلها وأساليبها، ومن نافلة القول أن نؤكد على أن الثقافة أسلوب حياة ونمط للعيش وطريقة للتفكير ووعاء للعلم.
لذلك فلا بد من تعزيز البناء العقدي في النفوس لحماية النموذج الاجتماعي والثقافي ومن أجل امتلاك التفوق الإيماني، والإيمان المطلوب لا يكون مجرد معرفة ذهنية، ولا مجرد حشو للذاكرة بعبارات ومصطلحات عن الرب والدين والعبادة والتوحيد بأقسامه والطاغوت والجاهلية[8].
فالثقافة المطلوبة هي التي توجه العقول وتوظف الطاقات وتشكل حصنًا في مواجهة الثقافات الوافدة، وذلك بأن تعمل المناهج على تحصين الإنسان بالعقلية الناقدة لكل ما تبثه الفضائيات التي تعج بها سماوات الكرة الأرضية لمواجهة التيارات الصريحة والمستترة التي تسعى لوأد مقومات هويتنا وثقافتنا وتربيتنا، وأن تعمل على توسيع وترسيخ مقومات الثقافة الإسلامية بالاهتمام بالقرآن الكريم والسنة المشرفة حفظا وفهما ونظرا وتدبرا ومدارسة وممارسة.
العناية باللغة العربية:
إن اللغة العربية ليست أداة للتخاطب فقط بل هي وعاء ثقافي وهوية إسلامية، والحفاظ عليها هو حفاظ على هذه الهوية وعلى هذه الثقافة، فهي فكر وذات وعنوان ولغة تفكير وتعبير، ويشكل امتلاكنا للمعارف والتكنولوجيا بهذه اللغة الطريق لتمثل هذه التكنولوجيا وإنتاجها.

ويتبين لنا أهمية تعريب المعرفة حيث "أننا نملك ناحية المعرفة عندما ننقلها إلى لساننا، أما عندما ننتقل نحن إلى ألسنة الآخرين فسنكون عالة عليهم وسنبقى أتباعا ضائعي الهوية"، لذلك فحماية الأجيال من الأخطار ومنها شبكة الانترنت يقتضي إيجاد مجموعة من المواقع العلمية والثقافية والتاريخية والدينية على صفحات الشبكة باللغة العربية كبديل ناجع عن المواقع الأجنبية.
كما يجب عدم الالتفات إلى ما يثيره المغرضون من شبه حول قدرة اللغة العربية على استيعاب العلم، فقد أجريت دراسة في اليابان حول الحاسوب الآلي والمعلوماتية على اللغات العالمية تستهدف معرفة أكثر اللغات وضوحًا صوتيا في استخدامات الحاسب الآلي، أثبتت أن اللغة العربية تتصدر هذه اللغات في هذه الناحية، بينما تأتي اللغة الصينية في آخر القائمة.
كما أصدرت الكثير من البرامج الآلية مثل دليل المسلم الالكتروني وقاموس المورد، مما يدل على استيعاب اللغة العربية لهذه المعلوماتية .

إصلاح مناهج التربية والتعليم:
إن التربية من أهم القوى الفعالة في التغيير والإصلاح، فهي التي تؤسس المفاهيم وتحولها إلى أفكار وممارسات، فكيف إذا عمل المنهاج على التخريب من خلال طمس صحة العقيدة وتغيير الانتماء والهوية باستبدال رابطة العقيدة، والدعوة إلى الديمقراطية الغربية والعمل على هدم النظام الاجتماعي باستبدال نظام علماني، وترسيخ مقياس النفعية والدعوة إلى الحريات العلمانية.
لذلك لا بد أن تنطلق عملية الإصلاح من خلال إصلاح المناهج وفق فلسفة تربوية إسلامية مستمدة من مصادر التشريع والاجتهاد، "فمناهجنا الدراسية حصن لهويتنا العربية والإسلامية في عالم يموج بتيارات العولمة، ومحاولتها تنميط الحياة وقولبتها في صور ونماذج حياة القطب الواحد المهيمن، وهي التي تمد الأبناء بمقومات هويتنا الثقافية وخصوصيتنا الحضارية، وكلما ازدادت الضغوط العولمية، يتنامى في مناهجنا الوعي ويحتدم بتلك المقومات، ويظهر جليا السعي إلى مقاومة كل ما تهدف إليه العولمة من أمركة في المصالح والعقول، حيث أن مناهجنا تقف بصلابة ضد مواجهة تهميش الثقافات الوطنية الإقليمية، آخذة بمقولة المهاتما غاندي: (إنني على استعداد لأفتح نوافذ بيتي على كل التيارات من حولي ولكنني أرفض أن ينتزعني أي منها من جذوري)، وشعارنا في بناء مناهجنا الدراسية ليكن كل ما هو عالمي في خدمة كل ما هو عربي" [9](شحاتة، 2004، ص178).
ويجب أن تؤكد مناهجنا على خصوصية حضارتنا العربية الإسلامية وأهمية التعاون والتكامل التعليمي والثقافي بين أقطار الوطن العربي (عمار، 2004، ص92)، وإعادة صياغة برامج إعداد المعلمين في ضوء تحديات العولمة لجعلهم قادرين على أداء أفضل، والأخذ بمبدأ النمو المهني المستمر للمعلم وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمعلمين حتى يشعروا بالأمن الوظيفي ويتنافسوا في أداء رسالتهم وترسيخ مبدأ التعبد بالعلم (أبو دف، 2004، ص203).
ويتم كل ذلك بالتمسك بأصول التربية الإسلامية وتثبيت أركانها من خلال بناء منهاج تربوي متكامل يحافظ على الثوابت والأصول مع المرونة في الأساليب والوسائل وذلك في إطار قطب عربي إسلامي لمواجهة الهيمنة التربوية.
تنمية ثقة الأمة بنفسها واعتزازها بعقيدتها وهويتها:
يشكل الانهزام النفسي عاملا خطيرا لفناء الأمة، فالتربة الرخوة المشبعة بالهزيمة وفقدان الثقة هي التربة المناسبة لكي تضرب العولمة بجذورها فيها وتتمدد مما يزيد من تأثيرها وفتكها، لذلك لا بد من تربية الأمة والمجتمع والفرد على مقاومة روح اليأس والسلبية بتعزيز ثقة الإنسان بعقيدته التي تميزه عن الأمم الأخرى، وتحريره من المجال المغناطيسي للانبهار بالغرب وتربيته والتخلص من مركّب النقص والتبعية، فهو مخلوق مكرم ومستخلف ويجب أن يبدي رأيه ولا يحقر نفسه.
ويؤكد (الدجاني) أن ظاهرة العولمة موجودة ولكن يجب التعامل معها من منطلق "الثقة بقدرتنا على المواجهة، فعملية محاولة إنهاء الثقافات وتنميط البشر على ثقافة غربية واحدة، يقينا سيفشل، إذن علينا أن نثق بأن هويتنا الحضارية ستكون راسخة خصوصا أن الهوية الإسلامية دائما جماع ثلاثة عناصر: العقيدة التي توفر رؤية كونية، واللسان الذي يجري التعبير به، والتراث الثقافي الطويل المدى".
ويجب الالتفات إلى ما تفرضه العولمة من "محاولة تنميط الثقافات في قالب التحديث والتقنية، بينما محتواه الخفي أمركة التعليم من خلال إطفاء أية جذوة للاعتزاز بالتراث الحي أو تاريخ النضالات الوطنية أو الوشائج أو الروابط الوطنية العربية".
التربية على مبدأ الانفتاح الواعي والتفكير الناقد:
وهذا لا يتأتى إلا بالثقافة الإسلامية الشاملة مع عدم التبعية لثقافة الآخرين، ولا يتم إلا بالحفاظ على التربية وعلى المدرسة من الانغلاق على الذات فالحكمة ضالة المؤمن، ولكن بالانفتاح الواعي المتوازن على كل ما لا يتعارض مع الأصول ومع التخير والانتقاء، وذلك من خلال تنمية مهارات التفكير الناقد والهدف منها هو إعداد مواطن يقظ وواعي لا يتقبل كل ما يسمع ويقرأ بل يتأمل ويناقش ويفهم.
وليس من قبيل التعصب أو الانغلاق أن يكون هذا هو موقع التربية التي نريدها لأبنائها، "فمنذ القرن التاسع عشر كان اليابانيون يدركون تماما أن الحفاظ على بقائهم كأمة يقتضي استيعاب رياضيات الغرب وعلومه وتكنولوجياته مع نبذ ثقافته وقيمه الاجتماعية.





[1] ندى زيدان, قياس التمرد النفسي لدى طلبة المرحلة الإعدادية , مجلة التربية والعلم - المجلد (14) العدد (3) لسنة 2007

[2] ضياء زاهر : القيم فى العملية التربوية، سلسلة معالم تربوية، مركز الكتاب للنشر، القاهرة، 1996م0

[3] عبد الرحمن أحمد أحمد ندا : ا لدراسات العلمية فى مجال القيم بكليات التربية فى مصر – دراسة تقويمية، رسالة ماجستير، كلية تربية المنصورة، جامعة المنصورة، 1422هـ/2002م ، ص ص 83-84 0
[4] محمد محمود الإمام : الظاهرة الاستعمارية الجديدة ومغزاها بالنسبة للوطن العربى، فى : عبد الباسط عبد المعطى (تحرير) : العولمة والتحولات المجتمعية فى الوطن العربى، مكتبة مدبولى، القاهرة، 1999، ص 93 0
[5] محمود أحمد السيد : "التحديات التى تواجه التعليم العربى فى المرحلة القادمة"، المؤتمر السنوى الثانى للمركز العربى للدراسات الاستراتيجية (إعداد الوطن العربى للقرن الحادى والعشرين فى ظل ثورة المعلومات)، المركز العربى للدراسات الاستراتيجية: الإمارات العربية المتحدة، 22-24 فبراير 1997، ص ص 275-276 0
[6] مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية : الاتجاهات الاقتصادية والاستراتيجية2001 ،مركز الأهرام,القاهرة,2002، ص 23 0
[7] أحمد السيد النجار : الفساد ومكافحته فى الدول العربية، فى : الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية 2000، ، ص 167 0
[8] القرضاوي، يوسف  أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة، مكتبة وهبة، القاهرة. 1992م

[9] شحاتة، حسن,مداخل إلى تعليم المستقبل في الوطن العربي، الدار المصرية للكتاب، القاهرة2004 م